عواطف الإنجاز: البعد العاطفي الخفي وراء الأداء الأكاديمي والمهني
بقلم/ الدكتورة عبير دهام الصالح/ جامعة تكريت
لطالما حظي الأداء الأكاديمي والمهني باهتمام واسع في مجالات البحث، وغالبًا ما كان يُنظر إليه من زاوية معرفية بحتة: القدرات، الذكاء، واستراتيجيات التعلم أو العمل. إلا أن العقود الأخيرة شهدت تحوّلًا نوعيًا في فهم الأداء، حيث برزت العواطف المرتبطة بالإنجاز كعامل خفي لكنه بالغ التأثير في تشكيل مسارات النجاح والفشل. لم تعد العواطف تُمثّل مجرد ردود فعل لحظية، بل أصبحت تُعدّ محركًا داخليًا يوجه السلوك والتفكير والدافعية، خصوصًا في مواقف تتطلب تحقيق أهداف وإنجازات.
- ما هي عواطف الإنجاز؟
عواطف الإنجاز (Achievement Emotions) هي تلك المشاعر التي ترتبط مباشرة بأنشطة الإنجاز أو نتائجها. على سبيل المثال: مشاعر الفرح عند النجاح، أو القلق قبل الامتحان، أو الإحباط بعد الفشل. وتختلف هذه العواطف عن المشاعر العامة مثل الحزن أو الغضب، إذ أنها تتصل مباشرة بمواقف يسعى فيها الفرد لتحقيق نتيجة مُحددة.
تُصنف هذه العواطف غالبًا ضمن ثلاث ثنائيات:
إيجابية مقابل سلبية (مثل الفخر مقابل الخجل).
مُنشِّطة مقابل مُثبِّطة (مثل الأمل مقابل اللامبالاة).
مرتبطة بالنشاط مقابل مرتبطة بالنتيجة (مثل الاستمتاع أثناء الدراسة مقابل السعادة عند الحصول على درجة عالية).
- الإطار النظري: نظرية التحكم بالقيمة
من أبرز الأطر النظرية التي فسّرت عواطف الإنجاز هي نظرية التحكم بالقيمة (Control-Value Theory) التي طوّرها الباحث راينهارد بيكرون (Pekrun). تنطلق هذه النظرية من فرضية أن العواطف لا تنشأ عشوائيًا، بل تنبثق من تقييمين رئيسيين يقوم بهما الفرد:
التحكم (Control): هل أستطيع التأثير على النتيجة؟
القيمة (Value): هل تهمّني هذه النتيجة؟
إذا شعر الفرد بأنه قادر على التحكم في نتيجة مهمة بالنسبة له، فإن ذلك يعزز مشاعر إيجابية كالأمل والثقة. أما إذا فقد الإحساس بالتحكم أو شعر بعدم جدوى الإنجاز، فقد تظهر عواطف سلبية مثل القلق أو اللامبالاة.
- كيف تؤثر عواطف الإنجاز على الأداء؟
تشير الدراسات إلى أن العواطف ليست مجرد “نتيجة” للإنجاز، بل تسهم بشكل نشط في تشكيله. فالعواطف الإيجابية مثل الاستمتاع والفخر تُعزز من دافعية الفرد، وتُشجع على استخدام استراتيجيات فعالة للتعلم أو العمل. كما أنها ترتبط بمستويات أعلى من التركيز والمثابرة.
بالمقابل، العواطف السلبية مثل القلق والإحباط قد تؤدي إلى تجنب المهام، أو استخدام استراتيجيات سطحية، بل وقد تؤثر سلبًا على الصحة النفسية على المدى الطويل. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن بعض العواطف السلبية مثل القلق التحفيزي قد تكون مفيدة في بعض السياقات، إذا كانت معتدلة ومصحوبة بدافعية.
- التطبيقات العملية: كيف ندعم عواطف الإنجاز الإيجابية؟
في السياقات التعليمية والمهنية، يُمكن للمعلمين، القادة، أو المشرفين أن يلعبوا دورًا مهمًا في دعم العواطف الإيجابية لدى الأفراد. من بين الأساليب الفعالة:
توفير بيئة داعمة وآمنة نفسيًا.
تعزيز الثقة بالقدرة الذاتية لدى المتعلمين أو الموظفين.
تقديم تغذية راجعة بنّاءة تركز على التقدم أكثر من النتائج النهائية.
تشجيع التفكير الإيجابي الواقعي وتحفيز الأمل.
هذه الإجراءات لا تقل أهمية عن التدريب المعرفي أو المهني، لأن العاطفة تقف كثيرًا وراء القرار بالسعي، أو الاستسلام.
- من نتائج أطروحتي للدكتوراه
في أطروحتي للدكتوراه، تناولتُ “عواطف الإنجاز” بوصفها متغيرًا مؤثرًا في الأداء التعليمي. وقد أظهرت نتائج الدراسة أن هناك علاقة دالة بين بعض عواطف الإنجاز (كالأمل والقلق) والتحصيل الأكاديمي لدى عينة من طلاب المرحلة الجامعية. كما بينت النتائج أن الطالبات اللاتي أبدين مستويات عالية من الفخر والرضا عن أدائهن كنّ أكثر ميلاً لاستخدام استراتيجيات تعلم عميقة. وتدعم هذه النتائج الطرح القائل بأن الجانب العاطفي لا يقل أهمية عن الجانب المعرفي في عملية التعلم.
الخاتمة
تمثل عواطف الإنجاز بعدًا مركزيًا لفهم الأداء الأكاديمي والمهني، وهي ليست هامشية كما كان يُعتقد في الماضي. إن تعزيز الوعي بالعواطف المرتبطة بالنجاح والفشل يُعد خطوة ضرورية لبناء بيئات تعليمية ومهنية أكثر توازنًا وإنسانية. ولا بد من أن يتحول دعم العاطفة من خيار إضافي إلى جزء أصيل من السياسات والممارسات التعليمية والمهنية.
مراجع مختارة:
Pekrun, R. (2006). The Control-Value Theory of Achievement Emotions: Assumptions, Corollaries, and Implications for Educational Research and Practice.
Pekrun, R., & Linnenbrink-Garcia, L. (2014). International Handbook of Emotions in Education.
Schutz, P. A., & Pekrun, R. (Eds.). (2007). Emotion in Education.
