الخلط بين تمكين المرأة والنسوية: إشكالية المفاهيم وتداعياتها النفسية والاجتماعية

بقلم الدكتورة/ عبير دهام كاظم الصالح_ أستاذة علم النفس التربوي/جامعة تكريت

في العقود الأخيرة، أصبح الحديث عن المرأة ومكانتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من أكثر القضايا تداولًا، سواء في الأوساط الأكاديمية أو المنابر الإعلامية. لكن ما يثير القلق ليس قلة الحديث، بل سوء فهم المفاهيم وتداخلها بشكل يخلط بين تمكين المرأة والنسوية، الأمر الذي أفرز نتائج اجتماعية ونفسية تستحق الوقوف عندها، خصوصًا من منظور علم النفس الثقافي والاجتماعي.

تمكين المرأة، كما تفهمه السياسات الدولية والمؤسسات التنموية، هو عملية توفير الوسائل التي تتيح للمرأة أن تنمو وتشارك وتؤثر. هو مشروع شراكة لا خصومة، هدفه إزالة المعوقات أمام وصول المرأة إلى فرص متكافئة، مع احترام السياقات الثقافية والاجتماعية لكل مجتمع.

أما النسوية، فهي حركة فكرية ظهرت في الغرب، لها مدارس متعددة، بعضها يدعو للمساواة، وبعضها يذهب إلى نفي الفروق البيولوجية والنفسية بين الجنسين، بل وتفكيك النظم الأسرية باعتبارها “أدوات للهيمنة الذكورية”، وهو ما يتعارض جذريًا مع النسيج القيمي في مجتمعاتنا العربية.

حين تذوب الحدود بين المفاهيم
المشكلة الحقيقية تبدأ عندما يتم تصدير خطاب تمكين المرأة عبر بوابة النسوية الغربية، فيفقد هذا الخطاب قدرته على التأثير الإيجابي. بل يتحول في نظر بعض فئات المجتمع إلى “غزو فكري”، فتُرفض مشاريع التمكين الجادة بدعوى أنها دخيلة أو تخالف الفطرة.

هذا الخلط لا يُضعف فقط فرص نجاح المرأة، بل يؤثر نفسيًا على صورتها الذاتية. إذ تشعر كثير من الشابات في الجامعات بأن عليهن أن يخترن بين أن يكنّ نسويات صاخبات أو أن يتراجعن عن طموحاتهن ليبقين مقبولات اجتماعيًا. هذا الانقسام النفسي، المدعوم بخطابات متطرفة من الجانبين، يُنتج شعورًا بالاغتراب والقلق، وهو ما نرصده في العيادات النفسية اليوم أكثر من أي وقت مضى.

آثار نفسية واجتماعية خفية
كأستاذة في علم النفس، ألاحظ أن من أبرز آثار هذا الخلط:

الارتباك في الهوية الجندرية لدى الشابات، بين ما يتطلبه تمكين الذات، وما تفرضه التصورات النمطية عن النسوية.
الاستقطاب الاجتماعي بين مؤيدين ومعارضين، مما يضع قضايا المرأة في دائرة الصراع بدلًا من كونها مشروعًا وطنيًا.
انخفاض الفاعلية الذاتية لدى بعض النساء اللواتي يشعرن بأنهن إما متمردات أو خاضعات، دون مساحة للهوية المتوازنة.
نحو خطاب ناضج ومسؤول
إننا بحاجة إلى خطاب وطني متزن، ينطلق من خصوصية مجتمعاتنا ويعزز تمكين المرأة دون أن ينساق خلف استيراد نماذج فكرية لا تناسبنا. علينا أن نُعيد تعريف التمكين بما يعكس احتياجات المرأة العربية الحقيقية، من حقها في التعليم والعمل والرأي، دون أن نُحمّل هذا التمكين أجندات أيديولوجية ليست من نسيج واقعها.

فتمكين المرأة لا يعني بالضرورة أن تكون نسوية، ولا أن تتبنى خطابًا راديكاليًا، بل يعني أن تكون واعية بذاتها، حرة في قراراتها، متصالحة مع هويتها، شريكة لا خصمًا في بناء المجتمع.

خاتمة
لا بد من وقفة فكرية تعيد ترتيب مفاهيمنا. فالمرأة لا تحتاج أن تُدفع إلى التطرف لتُمنح حقوقها، بل أن تُحترم إنسانيتها، ويُعاد النظر في السياسات التعليمية والإعلامية التي تخلط بين المفاهيم وتربك الأجيال الصاعدة.

الفرق بين تمكين المرأة والنسوية ليس تفصيلًا لغويًا، بل محور أساسي في تشكيل وعي الأجيال المقبلة..