المرأة الريفية والصحراوية في مواجهة تحديات التغير المناخي: دراسة حالة بمناسبة اليوم العالمي للبيئة
بقلم/ الدكتورة اولادسالم نسيمة_ رئيسة برنامج المرأة الريفية والصحراوية لدى مؤسسة BRC
يأتي الاحتفال باليوم العالمي للبيئة هذا العام وسط تحديات مناخية غير مسبوقة تلقي بظلالها على المجتمعات الأكثر هشاشة حول العالم. تعد المرأة الريفية والصحراوية من أكثر الفئات تأثرا بتداعيات التغير المناخي، إذ تواجه تحديات مضاعفة نتيجة لموقعها الجغرافي الهامشي من ناحية، ودورها المحوري في إدارة الموارد الطبيعية وتأمين الغذاء والماء لأسرتها من ناحية أخرى. تكشف الدراسات الحديثة أن النساء في المناطق الريفية والصحراوية يتحملن العبء الأكبر من تأثيرات تغير المناخ، حيث تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن 80% من المتضررين من الكوارث المناخية هم من النساء. ومع ذلك، غالباً ما تغفل أصواتهن وتجاربهن في السياسات البيئية العالمية والمحلية، مما يعمق من الفجوة بين الجنسين في التكيف مع التغيرات المناخية.
يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على التحديات المركبة التي تواجهها المرأة الريفية والصحراوية في ظل التحولات المناخية المتسارعة، مع استكشاف الاستراتيجيات التكيفية التي طورتها هذه الفئة، والتي تمثل مخزوناً معرفياً وثقافياً جديراً بالدراسة والتوثيق.
- المرأة الريفية والصحراوية: حارسة الموارد وضحية التغيرات المناخية
ندرة المياه: تحد يومي متفاقم
تعد ندرة المياه من أبرز التحديات التي تواجهها المرأة في المناطق الريفية والصحراوية. فوفقاً لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) لعام 2023، فإن مناطق واسعة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشهد انخفاضاً في معدلات هطول الأمطار بنسبة تتراوح بين 15-25% مقارنة بمعدلات منتصف القرن العشرين. هذا الانخفاض أدى إلى جفاف مصادر المياه التقليدية كالينابيع والآبار في العديد من المناطق. إضافة الى ان النساء تقضي في هذه المناطق ما معدله 4-6 ساعات يوميا في جلب المياه، وتزداد هذه المدة مع استمرار موجات الجفاف، مما يؤثر سلبا على الوقت المتاح للمرأة للمشاركة في أنشطة مدرة للدخل أو التعليم. كما تؤدي المسافات الطويلة التي تقطعها النساء لجلب المياه إلى مخاطر صحية وأمنية متعددة وهذا وفقا لدراسة حديثة أجرتها منظمة الأغذية والزراعة (FAO)..
تدهور الإنتاج الزراعي وتهديد الأمن الغذائي
تشير دراسة نشرتها مجلة “Nature Climate Change” عام 2022 إلى أن إنتاجية المحاصيل الزراعية في المناطق شبه الصحراوية انخفضت بنسبة تصل إلى 40% نتيجة للتغيرات المناخية. هذا الانخفاض يؤثر بشكل مباشر على المرأة الريفية التي تمثل، وفقا لمنظمة العمل الدولية، ما يقارب 60% من القوى العاملة في القطاع الزراعي في البلدان النامية.
أوضحت دراسة ميدانية أجراها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في عام 2023، شملت 2000 امرأة في مناطق ريفية وصحراوية من خمس دول، أن 73% منهن أفدن بتراجع في إنتاجية الأراضي التي يعتمدن عليها في إطعام أسرهن، مما اضطرهن إلى تقليص الوجبات الغذائية أو اللجوء إلى أطعمة أقل قيمة غذائية.
التأثيرات الصحية المتزايدة
تكشف الأبحاث الطبية عن تزايد المخاطر الصحية التي تواجهها النساء في المناطق الريفية والصحراوية نتيجة للتغير المناخي. فقد سجلت دراسة نُشرت في مجلة “The Lancet Planetary Health” زيادة بنسبة 35% في معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي بين النساء في المناطق الريفية الجافة، نتيجة للجفاف وزيادة العواصف الترابية. إضافة الى أن النساء الحوامل يواجهن مخاطر إضافية، إذ تشير دراسة أجرتها جامعة هارفارد في عام 2022 إلى ارتباط بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة مخاطر الولادة المبكرة بنسبة تصل إلى 20% في المناطق التي تشهد موجات حر متكررة.
- استراتيجيات التكيف: المعرفة التقليدية في مواجهة التحدي المناخي
رغم التحديات المتعددة، طورت النساء في المناطق الريفية والصحراوية استراتيجيات تكيفية مبتكرة تعتمد على المزج بين المعرفة التقليدية والحلول المستدامة. هذه الاستراتيجيات تمثل مخزوناً معرفياً يستحق التوثيق والتعميم.
- تنويع المحاصيل والبذور المقاومة للجفاف
توثق الدراسات الميدانية التي أجراها المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ICARDA) كيف طورت النساء في المناطق الريفية والصحراوية منظومات زراعية متنوعة تعتمد على بذور محلية أكثر تحملاً للظروف المناخية القاسية. في دراسة شملت 15 مجتمعاً في منطقة الساحل الأفريقي، تبين أن النساء يحتفظن بما معدله 15-20 نوعاً من البذور المحلية المتكيفة مع ظروف الجفاف، مقارنة بـ 5-7 أنواع فقط لدى المزارعين الذكور.
- تقنيات حصاد المياه التقليدية
طورت مجتمعات نسائية في مناطق صحراوية مختلفة تقنيات مبتكرة لحصاد المياه. فعلى سبيل المثال، وثقت دراسة أجرتها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في السعودية كيف تستخدم النساء في المناطق الصحراوية تقنية “المصاطب الهلالية” لتجميع مياه الأمطار وزيادة رطوبة التربة، مما يسمح بزراعة محاصيل في ظروف شحيحة المياه. كما أن تقنية “المطفية” التقليدية التي تستخدمها النساء في جنوب المغرب أثبتت فعاليتها في توفير المياه للاستخدام المنزلي، حتى في ظروف الجفاف الشديد، وقد تم توثيق هذه التقنية في تقرير لمنظمة اليونسكو كأحد الممارسات الثقافية المستدامة.
- الأنشطة الاقتصادية البديلة
في مواجهة تراجع العوائد الزراعية، طورت النساء الريفيات والصحراويات مصادر دخل بديلة تعتمد على الموارد المتاحة محلياً. وثقت دراسة نشرتها مجلة “World Development” تجارب لنساء في مناطق صحراوية بالمغرب وتونس، حيث طورن أنشطة اقتصادية تعتمد على النباتات الطبية والعطرية المقاومة للجفاف، وصناعات حرفية تستخدم مواد أولية محلية.
هذه الأنشطة البديلة لا تقلل فقط من الاعتماد على الزراعة المهددة بالتغير المناخي، بل تعزز أيضا صمود المجتمعات المحلية اقتصاديا، وتخلق فرصاً للنساء للمشاركة في اتخاذ القرارات وإدارة الموارد.
- تحديات الإدماج في سياسات التكيف المناخي
رغم الدور المحوري للمرأة الريفية والصحراوية في التكيف مع التغير المناخي، فإن مشاركتها في صياغة السياسات البيئية لا تزال محدودة. تشير دراسة أجراها معهد الأمم المتحدة لبحوث التنمية الاجتماعية إلى أن أقل من 15% من واضعي السياسات البيئية الوطنية في البلدان النامية هم من النساء، وأن أقل من 10% من ميزانيات التكيف المناخي تستهدف احتياجات المرأة بشكل مباشر؛ وهذا الإقصاء ينتج عنه سياسات لا تراعي احتياجات النساء وأدوارهن المتعددة، مما يقلل من فعالية برامج التكيف المناخي. فعلى سبيل المثال، كشفت دراسة تقييمية أجراها البنك الدولي عام 2023 لعشرة مشاريع للتكيف المناخي في مناطق ريفية، أن المشاريع التي أشركت النساء في تصميمها وتنفيذها حققت نتائج أفضل بنسبة 40% من المشاريع التي لم تفعل ذلك.
خاتمة
يشكل اليوم العالمي للبيئة فرصة لإعادة النظر في السياسات البيئية من منظور يراعي النوع الاجتماعي، خاصة في المناطق الريفية والصحراوية الأكثر تضررا من التغير المناخي. إن تمكين المرأة الريفية والصحراوية من المشاركة الفعالة في صياغة وتنفيذ استراتيجيات التكيف المناخي ليس فقط مسألة عدالة اجتماعية، بل هو أيضاً ضرورة لضمان فعالية هذه الاستراتيجيات واستدامتها. بحيث تدعونا التجارب الناجحة التي سبق استعراضها إلى مقاربة شمولية تجمع بين المعرفة التقليدية التي تمتلكها النساء والتقنيات الحديثة، وبين التدخلات المحلية والسياسات الوطنية والدولية. هذه المقاربة تتطلب:
1. توثيق وتثمين المعارف التقليدية التي طورتها النساء في مجال إدارة الموارد الطبيعية والتكيف مع الظروف المناخية القاسية.
2. تعزيز مشاركة النساء في الهيئات المسؤولة عن صياغة وتنفيذ السياسات البيئية على المستويات المحلية والوطنية والدولية.
3. تطوير برامج تمويل تستهدف المبادرات النسائية في مجال التكيف المناخي، مع ضمان وصول النساء إلى الموارد المالية والتقنية اللازمة.
4. تعزيز البحث العلمي حول تأثيرات التغير المناخي على المرأة الريفية والصحراوية، باستخدام منهجيات تشاركية تضمن مشاركة النساء في مختلف مراحل البحث.
وعليه يجب التأكيد على أن الاستثمار في تمكين المرأة الريفية والصحراوية هو استثمار في قدرة المجتمعات على الصمود في وجه التحديات المناخية. إن الاعتراف بأدوار النساء ومعارفهن وإمكاناتهن في التكيف مع التغير المناخي يشكل خطوة أساسية نحو بناء مستقبل أكثر استدامة وعدالة للجميع.
