التفاتة إنسانية حول أسبوع الأصم العربي: عندما تتحدث الإشارات بصوت أعلى من الكلمات
/ بقلم/ الدكتورة اولادسالم نسيمة/ رئيسة برنامج المرأة الريفية والصحراوية لمؤسسة BRC
في صمت يتكلم ملايين البشر حول العالم، وبإشارات أيديهم يرسمون قصصاً وأحلاماً وطموحات لا تقل إبداعاً وعمقاً عن
تلك التي ينطق بها الآخرون. يحتفل العالم في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر من كل عام بيوم الصم العالمي إضافة الى مناسبة
الأصم العربي الذي تقيمه الدول العربية كل سنة أواخر شهر ابريل ،جاعلين من هاته الأيام التفاتة إنسانية بحيث يتم من خلالها
تسليط الضوء على مجتمع يعيش في عالمنا ولكن بلغة مختلفة، بحواس مختلفة، وبتحديات مختلفة، إن الصمت الذي يعيشه ذوو
الإعاقة السمعية ليس عزلة كما قد يظن البعض، بل هو عالم نابض بالحياة والتواصل، عالم يتحدى فيه أصحابه الصعاب ليثبتوا أن
الإعاقة ليست في عدم القدرة على السمع، بل في عدم قدرة المجتمع على الإصغاء لاحتياجاتهم وتطلعاتهم.
إحصاءات وأرقام تتحدث عن واقع الصم
تشير البيانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في تقريرها الرسمي لعام 2021 إلى أن ما يقارب 1.5 مليار شخص حول
العالم يعانون من درجة ما من فقدان السمع، ومن بينهم 430 مليون شخص (5.5% من سكان العالم) يحتاجون إلى خدمات
تأهيلية بسبب فقدان السمع المعتدل أو الشديد. ووفقاً للتقرير نفسه، من المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى ما يقرب من 700
مليون شخص بحلول عام 2050 ممن يحتاجون إلى الرعاية السمعية؛ اضافة الى تقرير أصدره الاتحاد العالمي للصم (WFD)
بالتعاون مع جامعة غالاوديت عام 2018، تبين أن أقل من 2% من الأشخاص الصم حول العالم يتلقون تعليمهم بلغة الإشارة.
ووفقاً لمنظمة العمل الدولية ILO، فإن نسبة البطالة بين الأشخاص الصم وضعاف السمع تصل إلى 70-80% في بعض
البلدان، وحتى في الدول المتقدمة تبقى هذه النسبة أعلى بكثير مقارنة بعامة السكان،كما تكشف الإحصاءات الموثقة من
موسوعة Ethnologue للغات العالم أن هناك ما لا يقل عن 142 لغة إشارة موثقة حول العالم، وربما يكون العدد الفعلي
أكبر من ذلك. ووفقاً لبيانات الاتحاد العالمي للصم المحدثة حتى عام 2019، فإن 81 دولة فقط من أصل 193 دولة عضو في
الأمم المتحدة تعترف رسمياً بلغات الإشارة المحلية لديها.
تحديات تواجه مجتمع الصم
على الرغم من التقدم الكبير الذي شهدته حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في العقود الأخيرة، إلا أن مجتمع الصم ما زال يواجه
العديد من التحديات:
1التعليم: أظهرت دراسة نشرتها جامعة غالاوديت (الجامعة الوحيدة في العالم للصم) في عام 2018 أن متوسط مستوى القراءة
لدى البالغين الصم في الولايات المتحدة يعادل مستوى طالب في الصف الرابع الابتدائي، وذلك بسبب التحديات في اكتساب
اللغة وعدم تطبيق استراتيجيات تعليمية مناسبة.
2سوق العمل: وفقا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في عام 2016، تصل نسبة البطالة بين
الأشخاص ذوي الإعاقة (بمن فيهم الصم) في البلدان النامية إلى 80-90%، وحتى في الدول المتقدمة فإن معدل توظيف
الأشخاص الصم يقل بنسبة 20% عن معدل توظيف أقرانهم من غير الصم.
3الرعاية الصحية: كشف تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية بعنوان “الرعاية الصحية للأشخاص ذوي الإعاقة” في عام 2019
أن 50% من الأشخاص ذوي الإعاقة لا يستطيعون تحمل تكاليف الرعاية الصحية، وأن الحواجز اللغوية تمثل تحدياً إضافياً
للأشخاص الصم في الحصول على معلومات صحية دقيقة.
4الوصول إلى المعلومات: في دراسة أجراها الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) عام 2019، تبين أن أقل من 20% من
البرامج التلفزيونية عالمياً توفر خدمات الترجمة بلغة الإشارة أو النصوص المصاحبة، مما يحد من وصول الصم للمعلومات والمحتوى
الإعلامي.
مبادرات ناجحة ونماذج ملهمة:
– أظهر تقرير صادر عن منظمة اليونسكو عام 2018 بعنوان “حق التعليم للأشخاص ذوي الإعاقة” أن نهج التعليم ثنائي اللغة
(لغة الإشارة واللغة المكتوبة) يعزز بشكل كبير نتائج تعلم الطلاب الصم. وفي دراسة طويلة المدى أجرتها السويد (وهي من الدول
الرائدة في تعليم الصم)، وجد أن الطلاب الذين تلقوا تعليماً ثنائي اللغة حققوا مستويات أعلى في القراءة والكتابة بنسبة 40%
مقارنة بالأساليب التقليدية.
– في مجال التوظيف، نشرت “شبكة توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة” (USBLN) بالتعاون مع مؤسسة
“Disability:IN” تقريراً في عام 2018 وجد أن الشركات التي تتبنى سياسات شاملة لتوظيف ذوي الإعاقة (بما في ذلك
الصم) تحقق عائداً على حقوق المساهمين أعلى بنسبة 28% من نظيراتها، كما تسجل معدلات احتفاظ بالموظفين أعلى بنسبة
20%.
– في مجال التكنولوجيا، أشار تقرير الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) لعام 2017 حول التكنولوجيا المساعدة أن هناك زيادة
بنسبة 150% في تطوير تطبيقات وتقنيات تدعم التواصل للأشخاص الصم خلال العقد الماضي. وقد أظهرت دراسة أجرتها
جامعة ميتشيغان عام 2020 أن استخدام تطبيقات الترجمة الفورية للغة الإشارة ساهم في تحسين جودة التواصل بين الصم
والسامعين في بيئات العمل بنسبة تصل إلى 35%.
التوعية المجتمعية
وفقاً لدراسة نشرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقريرها عن “مكافحة القوالب النمطية والتحيز ضد
الأشخاص ذوي الإعاقة” عام 2017، فإن زيادة التفاعل المباشر بين الأشخاص ذوي الإعاقة (بمن فيهم الصم) والمجتمع العام،
مع تنفيذ برامج توعية مستمرة، يؤدي إلى انخفاض بنسبة 35% في المواقف السلبية والتمييزية تجاههم؛ بحيث يعد الاحتفال بيوم
الصم العالمي، الذي يقام في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر سنوياً منذ عام 1958، فرصة مهمة لرفع مستوى الوعي. وبحسب
الاتحاد العالمي للصم (WFD)، تشارك أكثر من 130 دولة في فعاليات هذا اليوم من خلال أنشطة متنوعة تهدف إلى تسليط
الضوء على ثقافة الصم وإنجازاتهم والتحديات التي يواجهونها.وبخصوص العالم العربي فإنهم يأخذون الأسبوع الأخير من شهر ابريل
كمناسبة لأسبوع الأصم العربي، كهدف لرفع الوعي المجتمعي بحقوق واحتياجات الأشخاص الصم ،وتعزيز ثقافة لغة الإشارة
،الضوء على التحديات التي يواجهونها في مختلف مناحي الحياة ، بحيث تم إطلاق هذا الأسبوع بناء على توصيات المؤتمر الثاني
للاتحاد العربي للهيئات العامة مع الصم ، الذي عقد في دمشق في ابريل 1974.
الخاتمة
في عالم يضج بالضوضاء، يقف مجتمع الصم شامخا، متحديا الصعاب، مثبتا أن الإعاقة ليست في فقدان السمع، بل في
عدم قدرة المجتمع على الإصغاء والتفاعل مع احتياجاتهم. إن يوم الصم العالمي إضافة الى أسبوع الأصم العربي ليس مجرد مناسبة
سنوية، بل هم دعوة مستمرة للمجتمع للنظر إلى قدرات الصم بدلاً من إعاقتهم، وللاعتراف بلغة الإشارة كلغة ثقافية كاملة تحمل
تاريخا وهوية.وعليه فإن الرقم المتزايد للأشخاص الصم حول العالم يجعل من الضروري تكثيف الجهود لضمان حقوقهم في التعليم
والعمل والرعاية الصحية، وتعزيز مشاركتهم الفاعلة في المجتمع. وكما يقول المثل: “الصمت ذهب، والكلام فضة”، لكن في عالم
الصم، تتحول الإشارات إلى لغة ذهبية تنطق بكل معاني الحياة والأمل والطموح، وعلى هذا فلنكن جميعا آذانا صاغية، لنبني
مجتمعا شاملاً تتساوى فيه الفرص للجميع، بغض النظر عن قدراتهم أو تحدياتهم.

|