أسبوع الأصم العربي 2025: “جدوى استخدام الذكاء الاصطناعي في تعليم وتأهيل الصم”بين الاحتفاء الرمزي والتغيير المؤسسي

د. جويدة باحمد /  رئيسة برنامج التربية الخاصة بمؤسسة BRC العلمية/ الجزائر

 يعتبر أسبوع الأصم العربي من المناسبات السنوية البارزة التي تهدف إلى تسليط الضوء على قضايا الأشخاص الصم في العالم العربي، والدفاع عن حقوقهم في التعليم والتأهيل والاندماج المجتمعي. وقد انطلق هذا الأسبوع لأول مرة عام 1974 بمبادرة من الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، ليصبح منذ ذلك الحين تقليدًا توعويًا يُحتفل به سنويًا في الأسبوع الأخير من شهر أبريل.

  يتميز هذا الأسبوع باعتماد شعار سنوي يعكس جانبًا محددًا من حقوق الصم أو التحديات التي يواجهونها. فعلى سبيل المثال، حمل أسبوع الأصم العربي لعام 2017 شعار “لغة الإشارة كلغة أم لذوي الإعاقة السمعية”، تأكيدًا على أهمية الاعتراف بلغة الإشارة كلغة أولى للصم. أما في عام 2020، فقد جاء الشعار تحت عنوان “حق الصم في الحصول على تعليم ثنائي اللغة”، مشيرًا إلى ضرورة الجمع بين لغة الإشارة واللغة المكتوبة أو المنطوقة في تعليم الأشخاص الصم. وفي عام 2025، يحمل الأسبوع شعارًا معاصرًا يعكس التقدم التقني تحت عنوان: “جدوى استخدام الذكاء الاصطناعي في تعليم وتأهيل الصم”، ما يبرز الحاجة إلى استثمار أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين بيئة التعليم والتواصل لهذه الفئة.

 يهدف هذا الأسبوع إلى نشر الوعي بأهمية لغة الإشارة بوصفها وسيلة أساسية للتواصل وتعزيز الهوية اللغوية والثقافية للصم. كما يسعى إلى تسليط الضوء على الدور الإيجابي الذي يمكن أن يضطلع به الأشخاص الصم في المجتمع، وعلى ضرورة توفير الفرص المتكافئة لهم في مجالات التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية.

إضافةً إلى ذلك، يُعد الأسبوع مناسبة لعرض التحديات التي يواجهها الصم، مثل نقص المعلمين المؤهلين بلغة الإشارة، وضعف المناهج التعليمية الملائمة، ووجود حواجز مجتمعية تعيق دمجهم الكامل، فضلًا عن غياب التشريعات الداعمة لحقوقهم في بعض الدول العربية.

ومن الجوانب المهمة التي يركّز عليها هذا الأسبوع كذلك تعزيز الهوية الثقافية لمجتمع الصم، والتأكيد على أن الصمم ليس مجرد إعاقة، بل يُمثل انتماءً لغويًا وثقافيًا متميزًا. ويُبرز الأسبوع نماذج ملهمة من المبادرات والمشاريع الريادية التي أطلقها أشخاص صم، ويعرض إنجازاتهم في مجالات التعليم والفن والتكنولوجيا وريادة الأعمال، بما يعكس قدراتهم العالية وحقهم في المشاركة الفعالة في بناء المجتمع.

ويشهد أسبوع الأصم العربي تنظيم فعاليات متنوعة في المدارس والجامعات والمراكز المختصة، تتنوع بين العروض المسرحية بلغة الإشارة، والمحاضرات العلمية، وورش العمل، والمعارض، إلى جانب اللقاءات التي تُبنى على الحوار والتفاعل بين الصم والمجتمع الأوسع، مما يُسهم في بناء جسور من الفهم والاحترام المتبادل.

وعلى الرغم من الزخم الإعلامي والأنشطة المتعددة التي ترافق أسبوع الأصم العربي، إلا أن العديد من هذه الفعاليات لا تتجاوز الطابع الاحتفالي الرمزي، حيث تفتقر إلى الترجمة الفعلية على مستوى السياسات العامة والتخطيط التربوي طويل المدى. ونادرًا ما تترافق هذه المناسبات مع مراجعة جادة للتشريعات التعليمية الخاصة بالأشخاص الصم، أو إطلاق مبادرات مؤسسية مستدامة تهدف إلى تطوير واقعهم التعليمي والاجتماعي.

وفي ظل غياب خطة وطنية شاملة تدمج قضايا الصم ضمن السياسات التربوية والاقتصادية والاجتماعية، تبقى الكثير من الجهود حبيسة الإطار المناسباتي، ما يحدّ من فعاليتها وتأثيرها الفعلي. إن الاكتفاء بالاحتفال السنوي دون وجود التزام مؤسسي واضح أو موازنات مخصصة، يُفقد هذه المناسبة دورها كأداة حقيقية للتغيير.

ومن هنا، تبرز الحاجة الملحة إلى تحويل أسبوع الأصم العربي من مناسبة احتفالية إلى محطة تقييم ومساءلة وتنمية، يتم خلالها الوقوف على ما تم إنجازه من خطوات فعلية نحو تحقيق العدالة التعليمية والاندماج الكامل للأشخاص الصم في مختلف مجالات الحياة.

إن أسبوع الأصم العربي ليس مجرد مناسبة توعوية عابرة، بل يمثل فرصة استراتيجية لإعادة النظر في السياسات التعليمية والاجتماعية المتعلقة بالأشخاص الصم. فرغم الجهود الرمزية المبذولة، فإن الأثر الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال تبني رؤى إصلاحية واضحة، وتشريعات داعمة، وخطط تربوية مستدامة تُعزز من جودة حياة الصم وتُمكّنهم من أداء أدوارهم المجتمعية بفاعلية.

ولذلك، فإن تحويل هذا الأسبوع إلى منصة فاعلة للتغيير والبناء المؤسسي يُعد مسؤولية جماعية تقع على عاتق الحكومات، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام. ولا يمكن تحقيق الدمج الشامل إلا من خلال احترام لغة الصم وثقافتهم، وتوسيع آفاق مشاركتهم، والاعتراف الكامل بقدراتهم.

   فالصمم ليس عجزًا، بل اختلاف في نمط التواصل، وثقافة تستحق أن تُحترم وتُدمج لا أن تُهمَّش.