المرأة ذات الإعاقة في الإعلام:صورة مبتورة وصوت مكسور”
بقلم/ الدكتور ميثاق بيات الضيفي
في عصر يتشدّق فيه العالم بحقوق الإنسان والمساواة، لا تزال المرأة ذات الإعاقة تعيش في الظل، محاطة بحاجزٍ من الصمت وقيودٍ من الصور النمطية القاسية. الإعلام الذي ننتظره حليفًا لهذه الفئة، يُطل عليها بنظرة مبتورة، ينقل عنها صورة عابرة، فيتناسى قضيتها أو يُخرجها بصورة “الضحية” أو “المعجزة”. قد تبدو هذه المرأة في مشهدٍ بطولي يثير الشفقة أو في برنامجٍ يسعى لعرض معاناتها كجزء من الترفيه. لكن في أعماقها، تلك المرأة الصامتة تحمل جراحاً أكبر من الكاميرات؛ جراحاً لا تُرى بالعين، لكنها تنهش قلبها يوماً بعد يوم.
الإعلام هو النافذة التي يرى الناس من خلالها العالم، لكن بالنسبة للمرأة ذات الإعاقة، هذه النافذة ضيقة مشوهة. تارةً تُعرض كحالة إنسانية، وتارةً أخرى كنموذج “تغلبت على الصعاب”، وكأن المجتمع لا يتقبل وجودها دون تلك السرديات المبتذلة. إنها الثنائية التي يحاصرها الإعلام فيها؛ بين الشفقة والمثالية، وبين السرديات البعيدة عن الواقع والتسليع السطحي لمعاناتها.
بدلاً من الغوص في أعماق حياتها ومعاناتها النفسية والجسدية، يُبقي الإعلام على مسافةٍ منها، مسافة تُضعف هويتها وتسطح قصتها. تُترك وحيدةً في مواجهة عالمٍ لا يرى حاجاتها الحقيقية، ولا يعكس طموحاتها البسيطة بأن تكون إنسانة تُعترف بإنسانيتها دون صخب. يتعامل الإعلام معها وكأنها “صورة كرتونية” تثير العواطف لثوانٍ معدودة، ثم تُطوى في صفحات النسيان.
أن تكوني امرأةً تعيش في جسدٍ ذو تحديات في مجتمع يعشق الكمال، هو أمر مؤلم بلا شك. فكيف إذاً حين تُضاف إلى ذلك صورة إعلامية باهتة، لا تمثلها ولا تنقل صراعاتها الداخلية؟ كيف يمكن لتلك المرأة أن تجد نفسها في شاشة تسخر منها في الخفاء، في وقتٍ هي تبحث فيه عن لحظة اعتراف؟
التجاهل الإعلامي أو التجسيد غير الواقعي يؤجج معاناتها النفسية. يصبح كل ظهور إعلامي يعرضها كـ”عجوبة” أو “ضحية” مجرد طعنة جديدة في كرامتها، يزيد من عزلتها ويجعلها ترى نفسها بعيون المجتمع المغلقة على الجهل والسطحية. تشعر تلك المرأة أنها “مرآة مكسورة” تعكس صورة غير مكتملة، صورةً تجردها من حقها في الحياة الطبيعية، فيُطفأ بريق الأمل في عينيها يوماً بعد يوم.
في ظل هذا التهميش، تجد العديد من النساء ذوات الإعاقة أنفسهن محاصرات في عزلةٍ اختيارية، لا يتحدثن عن آلامهن، لا يعبرن عن أحلامهن، لأنهن يدركن أن الإعلام لا يمنحهن تلك المساحة الحقيقية. هذه العزلة تُفقدهن الأمل في التغيير، فيصبح الصمت أبلغ من كل الكلمات، وتظل قصصهن مأسورة في ظلام النسيان.
إذا كان الإعلام حقاً يعكس واقع المجتمع، فيجب أن يعكس الصورة الحقيقية للمرأة ذات الإعاقة. صورة لا تنظر لها كـ”كائن هش”، بل كإنسانة تواجه حياةً مليئة بالتحديات، وتستحق الاحترام والدعم دون تجميل أو تزييف. إن المرأة ذات الإعاقة لا تبحث عن بطولة زائفة، بل عن اعترافٍ حقيقي بحقها في الوجود بكرامة.
لا بدّ من إنتاج محتوى يعكس جوانب الحياة الواقعية للمرأة ذات الإعاقة، بحيث تُعرض كجزء من المجتمع لا كحالة خاصة. إن تضمين قصصهن في الأفلام والمسلسلات، وإبراز نجاحاتهن وصراعاتهن دون استغلال، يمكن أن يغير نظرة المجتمع نحوهن. كذلك، يجب أن تُطرح قضاياهن في البرامج الحوارية والسياسية، بحيث يشعرن أن أصواتهن مسموعة وأن معاناتهن حقيقية.
المرأة ذات الإعاقة لا تطلب من المجتمع أن ينظر إليها بنظرة “استثنائية”، بل تطلب أن يُنظر إليها كإنسان يعيش في هذا العالم، له حق الكرامة والاحترام. إن دور الإعلام ليس فقط تسليط الضوء على قصصهم، بل أن يصبح وسيلة تُنهي عزلة هذه الفئة، وتُقربهم من مجتمع لا يزال في حاجة للتعلم من تجاربهم. الإعلام اليوم يملك قوة التغيير، ويبقى أن يستخدم هذه القوة بحسٍ إنساني ومسؤولية أخلاقية، ليُعيد بناء جسرٍ مكسور بين المرأة ذات الإعاقة والمجتمع، جسرٌ من الصدق والاحترام.