المرأة العربية… طموحٌ يثمر في بيئة تتغير
بقلم/ الدكتورة فاكية عزاق / الجزائر
لم يكن طريق المرأة العربية نحو الطموح مفروشًا بالورود، بل كان ولا يزال مليئًا بالتحديات والعقبات الاجتماعية والثقافية. إلا أن التحولات التي شهدتها المجتمعات العربية في العقود الأخيرة، ساهمت في إعادة تشكيل نظرة المجتمع لدور المرأة وطموحاتها. فبعد أن كان يُنظر إلى طموحها بعين الريبة أو على أنه خروج عن “الأنوثة” أو الأدوار التقليدية، باتت هذه الطموحات تُحتَرم وتُشجَّع في العديد من السياقات. إن تغير البيئة الاجتماعية، بما تحمله من تطور في الوعي، وارتفاع في مستويات التعليم، وتزايد فرص المشاركة، قد أتاح للمرأة العربية أن تزرع طموحها في أرضٍ بدأت تستجيب وتثمر.
✧ الطموح كقوة داخلية لبناء الذات:
في علم الاجتماع، يُنظر إلى الطموح على أنه شكل من أشكال القوة الذاتية، وهو يرتبط بالقدرة على رسم المستقبل والسعي لتحقيقه رغم المعيقات. الطموح ليس فقط نزعة شخصية، بل هو نتاج لظروف اجتماعية وثقافية، يُعاد تشكيلها باستمرار. في حالة المرأة العربية، فإن الطموح يمثل عنصرًا محوريًا في سعيها لتأكيد ذاتها وكسر الصور النمطية التي حصرتها لعقود داخل أدوار محددة كالأم، والزوجة، والمربية فقط. لقد باتت المرأة ترى في الطموح وسيلةً للخروج من التكرار اليومي والتهميش الرمزي، ونافذةً نحو المشاركة في الحياة العامة بشكل فعّال.
✧ التحولات الاجتماعية: من التقييد إلى الاحتضان:
شهدت المجتمعات العربية تغيرات تدريجية ولكن مؤثرة في نظرتها لطموح المرأة. هذه التغيرات ليست معزولة عن السياق العالمي، بل تأتي ضمن سلسلة من التفاعلات مع الحركات النسوية، ووسائل الإعلام الجديدة، والعولمة الثقافية، إضافة إلى السياسات الحكومية التي بدأت تدرك أهمية تمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا.
لم يعد من الغريب اليوم أن نجد نساءً عربيات في مواقع صنع القرار، في الجامعات، في المؤسسات الاقتصادية الكبرى، أو حتى في مجالات كانت إلى وقت قريب حكرًا على الرجال كالهندسة والطب والتقنية. هذا الظهور المتزايد خلق نوعًا من “الشرعية الاجتماعية” لطموح المرأة، وجعل الطموح نفسه يبدو وكأنه نتيجة منطقية لتمكينها، وليس خروجًا عن تقاليد المجتمع.
✧ دور الأسرة والتعليم في دعم الطموح:
تُعد الأسرة والمدرسة أول مساحتين تؤثران في بناء مفهوم الطموح لدى الفتاة. في العقود السابقة، كانت الأسرة غالبًا ما تُفضّل الاستثمار في تعليم الذكور على حساب الإناث، لكن هذه النظرة بدأت تتغير مع وعي الأهل بأهمية تعليم البنت ودورها المستقبلي في الاستقلال والاعتماد على الذات. لقد أصبح من المألوف أن نجد أسرًا تُشجّع بناتها على الدراسة في الخارج، وعلى متابعة مسارات مهنية طموحة. كذلك، فإن المؤسسات التعليمية بدأت تلعب دورًا مهمًا في صقل شخصية الفتاة وتشجيعها على تطوير مهاراتها وتوسيع آفاقها المهنية.
✧ طموح المرأة بين التقدير المجتمعي واستمرار التحديات:
رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات قائمة تواجهها المرأة العربية الطموحة. فالكثير من النساء يعشن في مجتمعات لا تزال تُقيم المرأة بناءً على دورها في الأسرة أكثر من إنجازاتها الشخصية أو المهنية. كذلك، ما زالت بعض الأصوات تعتبر أن طموح المرأة قد يتعارض مع “الحياء” أو “الأنوثة”، أو حتى “الاستقرار الأسري”، مما يشكل ضغطًا نفسيًا واجتماعيًا على المرأة التي تحاول الموازنة بين طموحاتها ورضا محيطها.
ومع ذلك، فإن التغيرات التي طرأت على القيم الاجتماعية تُظهر أن هناك قبولًا متزايدًا لهذا الطموح، لا بل إعجابًا وتقديرًا له. وقد ساعد في ذلك انتشار قصص النساء الملهمات، سواء عبر الإعلام التقليدي أو عبر المنصات الرقمية، حيث باتت المرأة تُصوَّر كنموذج للقوة، والكفاءة، والنجاح، لا كرمز للضعف أو التبعية.
✧ نماذج نسائية تساهم في ترسيخ ثقافة الطموح:
من المؤثرات الإيجابية في مسار الطموح النسائي هو بروز عدد من النساء العربيات كنماذج ناجحة ومُلهمة في مجالات متنوعة. سواء في السياسة، أو الاقتصاد، أو الفن، أو البحث العلمي، أصبحنا نرى وجوهًا نسائية تتصدر المشهد وتبعث برسائل قوية مفادها أن المرأة تستطيع أن تنجح وتُحدث فرقًا حقيقيًا في مجتمعها. هذه النماذج لا تساهم فقط في تغيير الصورة النمطية، بل تلعب دورًا نفسيًا ومعنويًا في دفع الفتيات الصغيرات للاعتقاد بأن الطموح ليس رفاهية، بل حق وإمكانية واقعية.
و في الأخير إن طموح المرأة العربية لم يعد حلمًا مؤجَّلًا أو مشروعًا معلقًا، بل أصبح واقعًا يتحقق في ظل بيئة اجتماعية بدأت تتغير نحو الأفضل. التقدير المتزايد لطموح النساء في المجتمعات العربية هو مؤشر على وعي اجتماعي يتطور، وعلى ثقافة جديدة تتشكل، قوامها الاعتراف بكفاءة المرأة، واحترام تطلعاتها، ودعم مساهمتها في بناء المستقبل. ورغم استمرار بعض التحديات، فإن المسار العام يشير إلى أن الطموح النسائي العربي اليوم يثمر، وأن الأمل في مزيد من التمكين بات أقرب من أي وقت مضى
