الاحتراق الوظيفي لمقدمي الرعاية الطبية… بين رسالة المهنة وإغراء المال

 بقلم/ الدكتورة ابتسام موسى صالح_ استاذ مساعد في جودة الخدمات الصحية/ ليبيا

لطالما ارتبطت مهنة الطب والتمريض بالرحمة والتضحية والعمل من أجل إنقاذ الأرواح، إلا أن ضغوط الحياة المعيشية وارتفاع تكاليفها جعلت الكثير من العاملين في القطاع الصحي يتجهون إلى القطاع الخاص أو العمل الإضافي، ليس فقط لتعويض ضعف الرواتب في القطاع العام، بل أحيانًا بهدف تحقيق دخل أكبر حتى لو جاء ذلك على حساب الراحة أو جودة الأداء.فكلما ازداد السعي وراء المال تراجعت الإنسانية التي من اجلها بنيت عليها مهنة العاملين الصحيين.

هذا الانشغال بالسعي وراء المادة، مع ضغط العمل المستمر، أدى إلى بروز ظاهرة الاحتراق الوظيفي، حيث يفقد مقدم الخدمة الطبية حماسه ويتحول العمل إلى مجرد واجب روتيني خالٍ من الشغف. وعندما يصبح همّ البعض عدد الساعات الإضافية أو المكاسب المادية، قد تتراجع الأولويات المهنية، ويصبح المريض آخر المستفيدين من الجهد الفعلي.

الإرهاق الناتج عن المناوبات المزدوجة بين القطاعين العام والخاص ينعكس سلبًا على سرعة الاستجابة، ودقة القرارات الطبية، ومستوى التعاطف الإنساني مع المرضى. بل إن بعض الدراسات تشير إلى ارتفاع احتمالية الأخطاء الطبية عند الأطباء والممرضين الذين يعملون لفترات طويلة بحثًا عن دخل إضافي.

تُظهر الدراسات الدولية أن الإرهاق المهني يُشكل خطرًا على الأطباء، وقد يكون قاتلًا للمرضى. وقد وجدت مراجعة منهجية أن الأطباء الذين يعانون من الإرهاق المهني كانوا أكثر عرضة بمرتين لتقديم رعاية غير آمنة، وضاعف احتمالات ارتكاب أخطاء طبية جسيمة.المشكلة ليست دائمًا في ضعف الانتماء المهني، بل في غياب سياسات داعمة تحمي الكادر الطبي من الحاجة إلى استنزاف نفسه في أكثر من جهة عمل.

ما الحل :-

تحسين الأجور والحوافز، وتوفير بيئة عمل صحية، يمكن أن يحدّا من الانجراف وراء ضغط العمل المزدوج، ويحافظا على جودة الرعاية المقدمة وتوظيف عدد كافٍ من مقدمي الرعاية الصحية.

إضافةً إلى ذلك، يُمكن لمديري الرعاية الصحية تضمين فترات راحة دورية إلزامية لجميع الموظفين في السياسات الإدارية لمؤسسات الرعاية الصحية، وأن يكونوا قدوة حسنة في تعزيز ثقافة الانفتاح والتعاطف والدعم، وتوسيع نطاق الوصول إلى خدمات الصحة النفسية لمقدمي الرعاية الصحية للحد من الوصمة المرتبطة بمشاكل الصحة النفسية بين العاملين في مجال الرعاية الصحية.

تستخدم التطبيقات الرقمية لمراقبة وتحليل بيانات النشاط للعامليين الصحيين مما يساعد في التنبؤ بمستويات الاحتراق الوظيفي وتقديم الحلول المبكرة قبل ان تصل الى مرحلة متقدمة تؤثر على الأداء او على الصحة النفسية  في بيئة عمل مرهقة حيث الضغوط مستمرة والاخطاء مكلفة .

في النهاية، المهنة التي تقوم على إنقاذ الأرواح تستحق أن تُحمى من ضغوط المادة، لأن صحة الإنسان لا ينبغي أن تُدار بعقلية السوق فقط، بل بروح المهنة وأخلاقياتها.