إيذاء الحيوانات المتعمد كمؤشر على اضطرابات نفسية خطيرة: منظور نفسي تشخيصي

بقلم/ الدكتورة عبير دهام كاظم الصالح_ قسم العلوم التربوية والنفسيةً_جامعة تكريت

يُعد إيذاء الحيوانات المتعمد سلوكًا ذا دلالة سريرية ونفسية، مرتبطًا بعدد من الاضطرابات النفسية الخطيرة، خاصة اضطراب السلوك والاعتلال النفسي. تشير الأبحاث إلى أن هذا السلوك قد يشكل مؤشراً مبكرًا للتنبؤ بالعنف المستقبلي، مما يجعله موضوعاً مهماً للتشخيص النفسي والتدخل الوقائي المبكر. تهدف هذه الدراسة إلى استعراض الأدبيات النفسية المرتبطة بإيذاء الحيوانات، وتوضيح أبعاده النفسية والتطورية، مع تقديم توصيات علاجية ومجتمعية.

المقدمة:

شهدت الأوساط النفسية والجنائية اهتمامًا متزايدًا بفهم العلاقة بين سلوك إيذاء الحيوانات والاضطرابات النفسية. حيث اعتبرته بعض النظريات السلوكية والاجتماعية مؤشرًا إنذاريًا مبكرًا لانحرافات نفسية قد تتفاقم لاحقًا لتتجلى في سلوكيات عدوانية تجاه البشر.

الإطار النظري:

نظرية “ثالوث ماكدونالد” للعنف (The Macdonald Triad):
طرح “ماكدونالد” في ستينيات القرن العشرين نموذجًا يربط بين ثلاثة سلوكيات في مرحلة الطفولة – إيذاء الحيوانات، إشعال الحرائق، والتبول اللاإرادي – كدلائل على احتمالية تطور ميول إجرامية في المستقبل (Macdonald, 1963).

الارتباط مع اضطرابات نفسية محددة:
اضطراب السلوك (Conduct Disorder): خاصة عند الأطفال والمراهقين.
الاعتلال النفسي (Psychopathy): يشمل نقص التعاطف، التبلد العاطفي، والسلوك السادي.
اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD): يتضمن نمطًا دائمًا من التجاهل لحقوق الآخرين.
تحليل نفسي للسلوك:

نقص التعاطف والانفصال العاطفي
الأفراد الذين يؤذون الحيوانات غالبًا ما يظهرون انخفاضًا في القدرة على إدراك أو الشعور بمعاناة الآخرين (Kellert & Felthous, 1985).
الرغبة في السيطرة والتفريغ الانفعالي
قد يلجأ الفرد لهذا السلوك كوسيلة للتنفيس عن مشاعر الغضب أو القهر، خاصة في بيئات تتسم بالعنف الأسري أو التنمر المجتمعي (Ascione, 2001).
السلوك المكتسب والمحاكاة
الأطفال الذين يشهدون العنف، أو يتعرضون له، قد يعيدون تمثيله على الحيوانات، كمصدر ضعف لا يقدر على المقاومة.
الأهمية التشخيصية والوقائية:

تشخيص مبكر في مراحل الطفولة
سلوك إيذاء الحيوانات يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم الأطفال الذين يظهرون اضطرابات سلوكية.
التنبؤ بالعنف المستقبلي
توجد دلائل بحثية على أن هذا السلوك يرتبط لاحقًا بجرائم القتل أو الاعتداءات الجسدية (Merz-Perez & Heide, 2004).
التوصيات:

تعزيز برامج التثقيف النفسي الأسري والمدرسي.
إدراج تقييمات العنف ضد الحيوانات ضمن أدوات القياس النفسي للأطفال والمراهقين.
الربط بين التشريعات الجنائية والسياسات العلاجية، للتعامل مع هذه الظاهرة ضمن إطار وقائي.
الخاتمة:

يمثل سلوك إيذاء الحيوانات مؤشرًا نفسيًا مهمًا لا ينبغي تجاهله، خاصة إذا ظهر في مراحل مبكرة من العمر. إن فهم هذا السلوك ضمن سياقه النفسي والتنموي يمكن أن يسهم في الوقاية من اضطرابات خطيرة قد تتطور لاحقًا، مما يتطلب تدخلًا متعدد التخصصات.