أمي الجهد المثير الذي علمني كيف أتخطى الصعاب
بقلم/ الدكتورة شعيب فتيحة_ جامعة ابن خلدون تيارت_ الجزائر
بدأت تجربة أمي معي بعد أن أصبت بإعاقة حركية وأنا في الخامسة من عمري بسبب حمى أدت إلى شلل في الساق الأيمن. ولم تكن لديها أي ثقافة اجتماعية مسبقة عن ذوي الاحتياجات الخاصة. صدمة دوت قلبها وانهمرت دموعها وبللت ساعات الليل، الذي يسمع آهاتها ودعواتها. إعاقتي سالت عليها حمما من الحزن وكانت لها إيذانا ببداية المعاناة وانتهاء أحلامها معي. تمزق قلبها وحاصرتها نظرات الشفقة التي خلفت لديها ذلك الانزعاج من المجهول القادم… وفي لحظة البحث عن طرق النجاة وبعد أن مرت عليها ليالي قاسية، شدت على نفسها المتعبة لتتجاوز حجم الجبال من مشاكل اجتماعية ونفسية وصحية. وفكرت في إدخالي المدرسة بإرادة صلبة مشدودة بإيمانها بالله عز وجل، وكم كانت فرحتها كبيرة وهي تراني أحقق نجاحاتي التي تقابلها دائما بابتسامة رائعة وبصوت يقول الحمد لله.
أمي: لكم حمدت الله على نعمته ولكم رضيت بقسمته وقدره، أنت التي لم يضعفك الابتلاء بل شحذت همتك وأنت تواجهين انعكاسات إفراطك في حمايتي بسبب الإعاقة، فتصححين نوعية علاقاتي مع إخوتي من رفض وتقبل ليكونوا لي سندا، وأحس أني لست وحدي في بيئتي المحلية. تحملت على عاتقك تربيتي ولوحدك يا عالمي الأول، وكانت مسؤوليتك مضاعفة وشخصيتك ملهمة، في مجتمع لم يرحمك ولم يدعمك ولم يساندك. وقابلك بالتنمر والسخرية واللوم، ولكم أوقفتك نوبات الاكتئاب وجعلتك غير قادرة على الاستمرار برعايتي، ورغم تأرجح مشاعرك وصلت إلى تقبل إعاقتي لترسمي لي ابتسامة أمل بثت في الإرادة التي ساهمت بشكل كبير في تنمية قدراتي على العطاء في المجتمع ومكنتني من المشاركة في خدمة العملية التنموية في وطني.
أمي: تحملت الأعباء والضغوط المادية والاجتماعية والنفسية في سياق حياتك اليومية، ففقدت القدرة على التركيز والاستمتاع بالحياة، ورغم قسوة المصاب تعلمت وكانت تجربتك غنية، تعلمت الصبر وعلمتيه لمن يتابعك وأبديت قدراتك في مواجهة الحدث واستيعابه. أظهرت تكيفا مبهرا مع الموقف ومستويات غير عادية من مرونة التأقلم والصلابة بنظرة مطمئنة للحياة، حيث تجسدت في شخصيتك درجة من الالتزام والتحدي والتحكم. اعتقادا منك في فاعليتك وقدرتك على استخدام كل المصادر النفسية والاجتماعية التي أتيحت لك، فأدركت وفسرت ثم واجهت أحداث الحياة الضاغطة، وقدمت لي درسا في الحياة وأن ما يجعلها سعيدة ليس غياب الصعوبات بل القدرة على تخطيها.
أمي: أنت الملاك الذي سخره الله لي وشاء القدر أن أكون من فئة تحتاج رعاية مضاعفة وقوة أكبر لأتحمل مشاق هذه الحياة التي لا تفرق بيني وبين فئات أخرى، لأتذكر ما قلتيه لي ذات يوم: أعرف أن شفائك مستحيل لكن أريدك أن تعيشي مثل كل الأطفال.
رحلتك أمي مليئة بالتحديات، واجهتيها بصبرك وبحبك ودعمك، لأحقق أقصى إمكاناتي، حبك وقبولك كانا أفضل هدية قدمتيها لي، لأبادلك اليوم عملا صالحا تحتاجين إليه في قبرك بالدعاء لك بأن يرحمك الله ويغفر لك ويأنس وحشتك ويوسع قبرك ويجعل عيدك في الجنة أفضل.
