آفة التدخين بين منظور الدين ورفاهية الحياة

بقلم /الدكتورة آمنه عبدالرحمن الشقيرات_ وزارة التربية والتعليم_ الاردن

التدخين آفة اجتماعية  تعصف بالمجتمع من جميع الفئات وزادت مع تقدم الحياة وزيادة رفاهية الإنسان مع ارتفاع مستوى دخله ، أو الحصول على الدخل مهما كان قيمته ، فلا تكاد أسرة تخلو من مدخن فيها سواء رجل أو إمرأة ، مهما كان عمره ،  فالكل يعلم الأضرار الوخيمه لهذه الآفة سواء كانت صحية أم جسدية ، تكاد تلقي بالفرد في مهالك الموت ، وهو لا يدرك ذلك الخطر الذي يهدد حياته وحياة اسرته والمجتمع بأكمله .

ولذا جاءت هذه المقالة الواقعية التي تبين أثر التدخين على الفرد في  حياته  مما ينعكس على المجتمع بأكمله وبالتالي على الأمة .

بداية لابد من معرفة رأي الدين في  موضوع التدخين وبما أن الدين هو المرجع الأساسي للإنسان  وبه تكتمل حياته وبه يسير وفق منهج محدد في جميع تصرفاته ، فالدين لم يبقي شيئا لم يتعرض له إما نص صريح من القرآن والسنة ، وإما اجتهاد من الفقهاء مؤصلا بالدليل الشرعي .

 اتَّفق العلماء على حرمة التَّدخين شرعاً؛ لما فيه من خبثٍ وأضرارٍ ومفاسد كثيرةً وعظيمةً، على المدخِّن وعلى غيره من أهله وأصدقائه وكلُّ مَن يكون بقربه عندما يدخِّن، وقد ثبت طبياً أنَّ التَّدخين له أثرٌ سلبيٌّ على مختلف أعضاء الجسم، ويتعدَّى أثره إلى الضَّرر بالمال والعقل، حيث ثبت ذلك بالأدلة الشَّرعيَّة من القرآن الكريم والسنَّة النَّبويَّة الشَّريفة

وسأعرض الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية ، والأدلة العقلية التي تحذر من هذه الآقة ، عسى أن تلقى من يدرك عظم هذا الخطر .

وردت عدَّة أدلَّة تثبت حُرمة التَّدخين، من القرآن الكريم فقد قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، والقرآن يأتي عادةً بقواعد عامةً، ومن الآية نستنتج قاعدةً مهمَّةً أن كلَّ طيِّبٍ حلالٍ وكلُّ خبيثٍ حرامٌ، وممَّا هو معلومٌ أنَّ الدخان ليس من الطيبِّات، ولا يستطيع عاقلٌ أن يصفه بذلك، ولذلك فإنَّه يدخل في الخبائث التي حرمها الله تعالى .

وقال -تعالى-: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)، فالآية الكريمة دعت إلى عدم قتل النَّفس، وكلُّ ما يؤدِّي إلى إهلاك النَّفس فهو محرَّمٌ، ومن المعروف أن التَّدخين سببٌ رئيسيٌّ لأمراضٍ خطيرةٍ فتَّاكةٍ بجسم الانسان وصحَّته، ومن هنا كان التَّدخين محرَّماً؛ لأنَّه قتلٌ للنَّفس.فالمدخن يعلم يقينا أن يودي بنفسه للهلاك ، وأن نهايته الحتمية الموت بسبب هذا الدخان الفتاك

 من السنة النبوية وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حفظ النَّفس وعدم الاضرار بها، قال رسول الله: (لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ)، أي أنَّ ما سبَّب ضرراً للإنسان فهو محرَّمٌ ويجب الإبتعاد عنه، والتَّدخين فيه أضرارٌ كثيرةٌ وليس ضرراً واحداً. وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ)،[٨] فهذا وصفٌ من رسول الله يبيِّن الفرق بين جليسين، جليسٌ كأنَّه حاملٌ للمسك يطيب لك مجلسه، وجليس كنافخ الكير(الحدَّاد)، فإنَّك تتأذَّى برائحة حرق الحديد وإذابته. وإذا ربطنا الدُّخان بهذا التَّشبيه النَّبوي البليغ فهل يمكن أن نعدَّ المدخِّن حاملاً للمسك، أم أنَّه يؤذي من حوله برائحته، فبعد هذا الحديث الشَّريف هل يمكن القول بأنَّ التَّدخين مباحٌ! أو أنه لبس له أي ضرر ؟ أو أن التدخين محسن للمزاج ، قادر على تغيير الفرد للأحسن ؟؟؟؟

 أما الأدلة العقلية ، نقف الآن نخاطب العقل البشري لنتعرف على أضرار التدخين ،  فالتدخين مضرٌّ بالصحَّة؛ فقد أجمع الأطبَّاء على أنَّ التَّدخين له أضرارٌ كبيرةٌ على الجسم، حيث إنَّه يسبِّب العديد من الأمراض منها السرطان؛ ممَّا يؤدي إلى الموت، ويدخل ذلك في الانتحار المحرَّم، ومن المعلوم أنَّ المحافظة على النَّفس واجبٌ شرعاً كما أنَّه مقصدٌ من مقاصد الشَّريعة، ولذلك حثَّ النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- على الاهتمام بالصحَّة والتداوي فقال: (تداوَوا عبادَ اللَّهِ فإنَّ اللَّهَ -سبحانَهُ- لم يضع داءً إلَّا وضعَ معَهُ شفاءً إلَّا الْهرمَ).

 كما أنَّ له رائحةً نتنةً، وطبيعة النَّفس تعاف الروائح الكريهة وتنفر منها، ولا شكَّ أنَّ مَن يكون حول المدخِّن لا يطيق الاقتراب منه بسبب رائحة فمه الكريهة ، والإسلام حرص على تجنُّب الإضرار بالنَّاس والتأدُّب معهم والابتعاد عن كلِّ ما ينفِّرهم، حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (من أكل ثوماً أو بصلاً فليَعتزلنا، أو ليعتزلَ مسجدَنا، وليقعد في بيتِه).

 وهو كذلك يهدر المال فيما لا ينفع، وقد توصل الباحثون أنَّ الشَّخص الذي يبتدئ حياته التَّدخينية في حوالي السَّابعة عشر من عمره ينفق في بريطانيا وحدها ما يقارب من (أربعة آلاف جنيهٍ إسترلينيٍّ) على التدخين فقط، والإسلام نهى عن الإسراف في المال، وعدَّ المسرف مبذِّراً لماله، 

قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا).[١٥] وذكر تقريرٌ للجنة المستشارين الأمريكيَّة أنَّ المدخنين كانوا سبباً في إشعال نيران الحرائق بنسبةٍ أكثر من غيرهم، فكم من غابةٍ احترقت، وبيتٍ أصبح أنقاضاً بسبب أعقاب السجائرالمهملة.

لو قال لنا المدخن كيف لي أن أترك الدخان ؟ وكيف تساعدني ع ذلك مع الرغبة الشديدة في اعتزاله لما له من أضرار  …

نقدم لك أيها المدخن بعضا من النصائح والإرشادات لعلها تكون حافزا لتترك التدخين ، فترك التَّدخين ليس أمراً عسيراً كما يظنُّ كثيرٌ من المدخين، حيث إنَّ هناك عدَّة وسائل تساعد المدِّخن على الإقلاع؛ منها ما يأتي:

  •  العزم على التَّوبة إلى الله من التَّدخين وطلب العون منه على تركه. – – المحافظة على الصلوات الخمس؛ حيث إنَّها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
  • تذكُّر الأضرار الفتَّاكة التي يسبِّبها التَّدخين. الإبتعاد عن كلِّ ما يزيد الرَّغبة بالتَّدخين، كالجلوس مع المدخنين.

إنَّ التَّدخين مجرَّد عادةٍ، ويمكنك استبدالها بعادةٍ أخرى. معرفة أنَّ النَّشوة الحاصلة من التَّدخين هي مؤقتةٌ، وسرعان ما تتلاشى وتتحوَّل إلى عواقب وخيمةً. قوَّة النيَّة والإرادة في التَّرك والإقلاع. الصَّبر والثَّبات في بداية الإقلاع عن التَّدخين؛ لأنَّه سيسهُل ويصبح أكثر بساطةً فيما بعد ولن يعود إليه صاحبه.

لذا نوجه كلماتنا الى كل مدخن أن ينظر بعين الرأفة والرحمة لنفسه أولا التي جعلهاالله تعالى أمانة عنده سيسأله يوم القيامة عنها ، وكذلك الرحمة لمن حوله من الناس الذين يتأذوا من الرائحة الكريهه التي تنبعث من المدخن ، وأقول كذلك لكل مدخنة من الإناث أنت قدوة كما الرجل قدوة فصحتك تهم الجميع ، ومسؤوليتك تجاه اولادك أكبر لذا فالابتعاد عن التدخين هو الحل الأسلم لبناء أسرة خالية من الأمراض  الفتاكة والروائح الكريهه . سلمنا الله جميعا من هذه الآفة وعصم أولادنا عنها .